Jumat, 24 September 2021

BAHASA ARAB

 

المقرر لمادة اللغة العربية

قسم الاقتصاد الإسلامي، الدراسات العليا

بجامعة بوكيت تنجى الإسلامية الحكومية

الموضوع: 1:

 القرآن الكريم

القرآن كلام الله تعالى الذي نَزَّله على قلبِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلّم بلسانٍ عربِيٍّ مُبين دُسْتُوْرًا لِرسالته، وتَأْيِيْدًا لِدعوته، وشاهِدًا على صِدْقِه. وقد نزَل به جبريلُ عليه السلام، فكان للناس هدًى ورشادًا  ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْـزِيْلُ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوْحُ الأَمِيْنُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُوْنَ مِنَ الْمُنْذِِرِيْنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ﴾[1]

حينما كان النبي يَتَعَبَّدُ في غار حِرَاءٍ على عادته جاءَه مَلَكُ الوحي جبريل بأوّلِ ما نزَل من القرآن وذلك في ليلة القَدْر من رمضان.

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ﴾[2]، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِيْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[3]

نزل جبريل على محمّد، وقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ - إذ كان أمّيًّا لا يعرف القراءةَ ولا الكتابةَ - فأعاد عليه وهو يَضُمُّه ضَمّا شديدا: اقرأ، فقال ما أنا بقارئ، وبعد الْمَرَّة الثَّالِثَة قال له:

﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِيْ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[4]

فكانت هذه الآيات أوّلَ ما نزَل من القرآن، ثمّ ظَلَّ ينـزل على الرسول بَقِيَّةَ حياته في مكة، ثمّ في المدينة إلى ما قبل وفاته بتسع ليالٍ.

ولم ينـزل القرآن جملةً واحدةً، وإنما كانت تنـزل منه الآيةُ والآيتان والآياتُ، وقد تنـزل السورة بتَمَامِها. قالَ تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيْلاً﴾[5]

الحكمة أو الأسباب من نزوله مفرَّقا ومُنَجَّمًا منها:

1- أن النبي لم يكن يَحْتَمِلُ أن يُوْحَى إليه القرآنُ مرّةً واحدة، فقد كان يُجْهِدُه اِتِّصَالُه بجبريل. يدلّ على ذلك ما رُوِيَ عن عائشةَ رضي الله عنها: «ولقد رأيتُه ينـزل عليه الوحيُ في اليوم الشديد الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عنه وإِنّ جَبِيْنَه يَتَفَصَّدُ عَرَقاً»[6].

2- تثبيت قلب النبي في مواطن الشِّدَّة. كنـزوله عند تَآمُرِ قريشٍ عليه ليُطَمْئِنَه اللهُ إلى أنه معه يَرُدّ كَيْدَ الكافرين  منه: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا لِيُثْبِتُوْكَ أَوْ يَقْتُلُوْكَ أَوْ يُخْرِجُوْكَ وَيَمْكُرُوْنَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِيْنَ﴾[7]

3- تَيْسِيْرُ حفظه وكتابته، فنـزوله مفرَّقا يُسَهِّلُ على النبي وأصحابه أن يحفظوه وأن يكتبوه لا سيما أن الأمّيّة كانت فاشيةً فيهم.

4- بيان أحكامِ الدّين إذا عَرَضَتْ حَادِثَةٌ أو وُجِّهَ سؤال إلى النبي، ومثال ذلك: أن مشركة عَرَضَتْ على مَرْثَدِ الْغَنَوِيّ أن يَتَزَوَّجَها، فعلّق ذلك على إذن النبي فنـزل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوْا الْمُشْرِكاَتِ حَتىَّ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾[8]

والمثال الآخر: أن الصحابة سألوا النبي ماذا يُنْفِقُوْنَ، فأجاب القرآن الكريم ﴿يَسْأَلُوْنَكَ مَاذَا يُنْفِقُوْنَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِيْنَ وَالْيَتاَمَى وَالْمَسَاكِيْنَ وَابْنِ السَّبِيْلِ وَمَا تَفْعَلُوْا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيْمٌ﴾[9].

5- التَّدَرُّجُ في التشريع، فقد نزل القرآن لبيان عقيدةِ الإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والنار. ثم جاءت التَّكَالِيْفُ والأحكام مُتَدَرِّجَةً لِيَسْهُلَ على الناس قبولُ الدّين واتِّباع أحكامه.

«التربية الدينية بتصرف»

 

الموضوع: 2

عناية النبي والمسلمين بالقرآن

كان النبي أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب  ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوْ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِيْنِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُوْنَ﴾[10]

وكان جبريلُ ينـزل عليه بالقرآن، فَيَسْتَمِعُ إليه النبيّ في لَهْفَة وشَوْق، ويَحْرِصُ على حفظه أشدَّ الْحِرْص، فكان يُحَرِّكُ لسانَه في أثناء الوحي خوفًا من أن يَفُوْتَه شَيْءٌ  فأنزل الله عليه:  ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[11] وما كان جبريل يَتْرُكُه حتى يحفظَ عنه كلَّ ما ينـزل به ويَعِيْهِ وَعْيًا ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنْسَى﴾[12]

وقد أمر الله نبيَّه بتبليغ الناسِ القرآنَ  ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾[13]

كان النبيُّ كلما ينـزل عليه شيءٌ من القرآن قرأه على أصحابه وطلب منهم أن يحفظوه، فيحفظونه من فَوْرِهم بعد أن يَتَثَبَّتُوْا من صحّةِ قرائتهم بتلاوتهم على الرسول، ومن يحفظُ شيئا يَنْقُلُه إلى غيره وبذا شاعَ حِفْظُ المسلمين للقرآن.

قد حفظ القرآن كلَّه عن ظَهْرِ قَلْبٍ جماعةٌ من الصحابة، منهم: زيدُ بْنُ ثابت، وأُبَيّ بن كعْب، وعبدُ الله بن مسعود.

خصَّص الرسول كُتَّابًا يكتبون ما كان ينـزل من القرآن. ومن أَشْهَرِ كُتَّابِ الوحي : الخلفاء الراشدون، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب.

وحُفِظَ هذا المصحفُ عند أبي بكر. فلما تُوُفِّيَ كان عند عمر بن الخطاب، وبعد وفاته وُضِعَ عند أمّ المؤمنين حفصةَ بنتِ عمر.

لم يكن لَدَى المسلمين إلى عهد عثمانَ سوى المصحفِ المكتوب في عهد أبي بكر، ولما اِتَّسَعَتْ الفتوحُ الإسلامية وَانْتَشَرَ المسلمون في الأقطار خَشِيَ عثمان أن يختلفوا في قراءة القرآن، فأَحْضَرَ المصحفَ المحفوظَ عند حفصة، وَاسْتَنْسَخَ منه بِضْعَةَ مَصَاحِفَ مستعينًا بالحفّاظ والكتّاب ومنهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن زبير، وسعيد بن العاص، ثم أَرْسَلَ نُسْخَةً من المصحف إلى كلٍّ من : مصرَ، والكوفةِ، والبصرة، ودِمَشْقَ، وأبقى نسخةً عنده في المدينة.

وقد اشتهر ما كُتِبَ من المصاحف بأمر عثمان: بالمصحف الإمام أو مصحف عثمان.

كتب كُتّابُ الوحي القرآنَ الكريْمَ في عهد الرسول بالْخَطّ الْمَأْلُوْفِ عندهم، ولم تكن الحروف فيه منقوطةً ومشكولة. وعند ما جُمِعَ القرآنُ في عهد أبي بكر اِلْتَزَمَ جامعوه الطريقةَ السالفةَ في رَسْمِه، وكذا في عهد عثمان كُتِبَتْ الْمَصَاحِفُ على الصورة نَفْسِها غيرَ منقوطةٍ ولا مشكولةٍ، ونُسِبَ ذلك الرسمُ إلى عثمان، وقد أجمع الصحابةُ على هذا الرسم، كما أجمعت عليه الأمّةُ في عهد التابعين، وما زالت الأمة تُحَافِظُ عليه وتَتَلَقَّاهُ بالقبول حتى يومنا هذا.

وعَدَّ جمهورُ العلماء هذا الالتزامَ للرسم العثمانيِّ سنَّةً مُتَّبَعَةً لا يَصِحُّ العُدُوْلُ عنها. على أن فريقًا منهم أجازَ كتابةَ القرآن على ما أحْدَثَ الناسُ من الْهِجَاءِ تيسيراً على الناشئين في قراءة القرآن قراءةً صحيحةً.

«التربية الدينية بتصرف»

الموضوع: 3

بعض ما اشتمل عليه القرآن

أرسل الله تعالى محمدا (ص) إلى العالمين في وقتٍ فسدت فيه عقيدةُ الناس بالشِّرْك، وعبادةِ الأصنام والكَواكب، وَاتِّخَاذِ الملوك أربابا من دون الله، ولم تَقُمْ صِلات الناس على أساس من المساواة والإِخَاءِ والإِنْصَاف، وفَشَتْ الْخُرافات والأَوْهام، وتَدَهْوَرَتْ الأخلاقُ، واشتدّتْ حاجةُ الناس إلى هدى من الله تعالى، فأَنْعَمَ عليهم بالقرآن الكريم يُجَدِّدُ دينَهم، ويُصْلِحُ عقائدَهم، ويدعوهم إلى عبادات تَصِلُهم بخالقهم، ويضع لهم تشريعا ينظِّم حياتهم، ويَصُوْن حقوقَهم، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق.

( أ ) أما العقيدة التي فَصَّلَها القرآن في مواطنَ كثيرةٍ منه فهي :

1- إثبات وحدانيّة الله تعالى، ونَفْيُ الشُّرَكَاءِ، والدعوةُ إلى الإيمان به وعبادته؛ لأنه هو الخالق العظيم الْمُنْعِمُ.

2- الإيمان بالرسل السابقين وبالكتب السماوية والملائكة واليوم الآخر وما فيه من جزاء .

(ب) وأما العبادات فهي الصلاة والصوم والزكاة والحج والآيات صريحة في فرضها.

والعبادات التي شرعها القرآن من أفضل الوسائل لتربية الخُلُق : فالصلاة تجعل المرء على صلة دائمة بالله، فيراقبه في سره وعلنه، ويمتنع عن الشر قولا وفعلا، والصوم تهذيب للنفس، وكَسْرٌ لحِدَّة شهوتها، وتعويدُها الصَّبْرَ، والزكاة تخليص للنفس من شُحِّها وبخلها.

(ج)  أما التشريع فقد بَيَّنَ القرآن نظاما مُحْكَمًا، وعِلاَجًا لمشكلات الناس بما شُرِعَ لهم في الزواج والطلاق والميراث وشئون المال وفي القصاص والحدود التي تَصُوْنُ المجتمعَ من الفساد، وفي علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم .

1- ففي الزواج بيّن القرآن العلاقةَ بين الزوجين وفرض للزوجة مهرا وأمر بأن تُعَاشَرَ النِّسَاءُ بالمعروف.

2- وفي الميراث بيّن القرآن الوارثينَ ونصيبَ كلِّ وارث من تَرِكَةِ الْمُوَرِّثِ، وأعطى المرأة حقَّها وشرَع لها نِصْفَ نصيبِ الرجل لأن نفقتها واجبة على غيرها من أب أو زوج أو ابن، وبيّن الله الْمَوَارِيْثَ في آيات كثيرة.

3- وشرع الله التِّجَارة لأنها من أفضل أسباب الْكَسْبِ، وحرم الربا لأنه كسب بلا عَمَلٍ، وأمَرَ بكتابة الدَّيْنِ حِفْظًا للحقوق ومَنْعًا للخلاف بسبب النسيان، وأمر بالإشهاد على البيع توثيقا للعقود.

4- وفي القصاص حقق الله العدلَ بين الناس، وصانَ الأرواح وفرض عُقُوْباَتٍ على الْجَرَائِمِ كقطع يد السارق وجِلْدِ الزاني.

5- وفي علاقة الأمة بغيرها جعل الله الأساسَ المسالمةَ فإذا اعتدى مُعْتَدٍ وجبَ القتالُ ولذلك يجب على المسلمين أن يكونوا على استعدادٍ للحوادث ولقاء العَدُوِّ.

(د) أما الآداب السامية التي دعا الله إليها لِيُهَذِّبَ الناسَ بها فكثيرة منها :

1- الاستئذان قبل دخول البيوت

2- التعاوُن على الخير، وعدمُ الاشتراك في الشر

3- البُعْدُ عن السخرية من الناس، وعِفَّةُ اللسان عن الطعن فيهم، أو غِيْبَتِهِمْ.

«التربية الدينية بتصرف»

الموضوع: 4

السُّنَّةُ وَمَنْـزِلَتُهَا مِنَ الْقُرْآنِ

السّنة ما ثَبَتَ عن الرسول (ص) من قَوْلٍ أو فِعْلٍ أو تَقْرِيْرٍ يَتَّصِلُ بمسائل الدين.

1- فَمِمَّا ثَبَتَ عنه مِنْ قَوْلٍ ما رواه أبو سَعِيْدٍ الْخُدْري (رض) قال : قال رسولُ الله(ص) «التاجِرُ الأمينُ الصَّدُوْقُ مع النبيينَ والصِّدِّيْقِيْنَ والشُّهَدَاءِ والصالحينَ»

2- ومما ثَبَتَ عنه من فِعْلٍ ما رواه مسلم عن عائشةَ (رض) كان رسولُ الله (ص) يُصَلِّيْ بِالضُّحَى أَرْبَعًا ويَزِيْدُ ما شاءَ الله.

والتقرير نوعان: قوليّ وفعليّ

3- فمِمّا ثَبَتَ من التقرير القوليّ ما رُوِيَ أنَّ رسولَ الله سَأَلَ »مُعاذا« وقد بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ قَاضِيًا : بِمَ تَقْضِيْ ؟ قال : بكتابِ الله، قال : فإنْ لَمْ تَجِدْ ؟ قالَ : فَبِسُنَّةِ رسولِ الله، قال: فإنْ لَم تجد ؟ قال : أَجْتَهِدُ برأيي .

فأقرَّ الرسولُ قولَه ولم يُنْكِرْهُ ، فكانَ كقول الرسول.

4- ومما ثبت من التقرير الفعليّ

ما رُوِيَ عن عائشةَ قالت : لقد رأيتُ رسولَ الله يومًا على باب حُجْرَتِيْ وَالْحَبَشَةُ يلعبونَ في المسجدِ بِحِرَابِهِمْ. ورسولُ الله يَسْتُرُنِيْ بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ.

فأقرَّ الرسولُ عَمَلَ الْحَبَشَةِ في المسجد ولم يُنْكِرْهُ، فكان كفعله.

السنة النَّبَوِيَّة هي الأصل الثاني للدِّين بعدَ القرآن الكريم الذي يُعْتَبَرُ الأصلَ الأوّلَ للتشريع ، وقد نَزَّلَ اللهُ القرآنَ شاملا للأصول العامة للتشريع، وَأَمَرَ رَسُوْلَه بتبليغه  ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾[14]، وَإِيْضَاحِ مَا فيه من قواعدَ مُجْمَلَةٍ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾[15]

وللسنة عملان :

الأول: بيانُ ما في القرآن الكريم، وتفصيلُ ما أجمله. مثال ذلك :

قال تعالى: ﴿أَقِيْمُوا الصَّلاَةَ﴾ وهذا أَمْرٌ بالصلاة لكنَّه مُجْمَل. وقد تَكَفَّلَت أفعالُ الرسول بتفصيل مَوَاقِيْتِها، وأركانِها، وعَدَدِ رَكَعَاتِها وهَيْئَاتِها، وجاء قولُ النبي: »صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ« أَمْرًا باتِّباعِ هذه السُّنَنِ الْفِعْلِيَّة. ومثلُ ذلك كثيرٌ في الصوم والزكاة والحج وغيرها.

الثاني : تشريع الأحكام، يعني تحليل الحلالِ وتحريم الحرام وبيان الحقوق.

والنبي يَسْتَلْهِمُ القرآنَ وروحَه في التشريع. ومن ذلك أنها حَرَّمَت أن نأكلَ ما له نابٌ من السباع كالذئب، وما له مِخْلَبٌ من الطير كَالصَّقر. والقرآن يُثَبِّتُ للنبي هذاَ الحقَّ قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُوْلَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾[16]

«التربية الدينية بتصرف»

 

 

 

الموضوع: 5

الإسلام دينٌ عامٌّ شاملٌ

إنّ اللهَ تعالى لم يترك أمّةً دون أن يُرْسِلَ إليها رسولا منها، يهديها إلى ربّها، وإلى طريقٍ مستقيمٍ كما أرسل اللهُ إلى عَادٍ أخاهم هُوْدًا، وإلى ثَمُوْدَ أخاهم صالحاً وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً.

 كما عَلِمْنا أنَّ القرآن الكريم قد ذكر بعضَ الرّسل، وسكتَ عن سائرِهم ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾[17]

وقد دعا الأنبياءُ جميعا إلى توحيد اللهِ، واختلفت شَرَائِعُهم لاختلاف أَحْوَال الأُمَمِ التي أُرسِلوا إليها، فكان لكلِّ أمّةٍ شريعةٌ خاصَّة بها تُلاَئِمُ أحوالَها، وتُعَالِجُ شُئُوْنَ حَيَاتِها وتدعوها إلى مكارم الأخلاق، فَاسْتَعَدَّ العالَمُ بذلك إلى قبول دينٍ عامٍّ يَجمعهم، أساسُه التوحيدُ كسائر الأديان السابقة، وشريعةٍ شاملةٍ لجميع شُئُوْنِ الناس الدينية والدنيوية. فأَرسل اللهُ محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدينِ إلى الناس كافةً.

إذن مهما كان محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثاً في أرض مكَّةَ لكنَّ دينَه عامٌّ لجميع الناس كافّة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيْرًا وَنَذِيْرًا ..﴾[18]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّيْ رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعاُ ..﴾[19]

والإسلام دين عام لأنه لا يَخُصُّ أمّةً دونَ أمة، ولا جِنْساً دونَ جنس، ولا لَوْناً دونَ لونٍ، وإنما هو دينُ الْخَلْقِ أجمعين.

وشاملٌ لأنه شَمِلَ جميعَ جوانبِ الحياةِ الإنسانيةِ من عقائدَ وعباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاق.

وقد جعله ديناً عامًّا شاملا أنه يَمْتَازُ بما يأتي:

1-    أنَّ جميعَ ما دعا إليه من عقائدَ وعباداتٍ ومعاملاتٍ وحدود (عقوبات) وآداب تَتّفِقُ والفِطرةَ الإنسانيةَ السليمةَ.

2-    وأنه أَتَى بالأصول والقواعدِ العامَّة التي تَشْمَلُ جميعَ جوانب الحياةِ الإنسانية كلِّها من عقائدَ وآدابٍ، ومعاملاتٍ وعقوباتٍ، ونُظُمٍ كاملةٍ للمجتمع الصغير (الأُسرة)، و للمجتمع الكبير (الدَّوْلَة) وللعالَم كلِّه.

3-    وأنّ الناسَ أمام الله سواءٌ فلا تمييزَ لأَحدٍ على أحد بسبب وطنه أو جِنْسِه أو لونه أو نَسَبِه «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ  وَاحِدٌ كُلُّكُمْ لآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ فَضْلٌ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَّقْوَى»[20]. وقد عبَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن مَنْزِلَةِ الْمسلم بالنسبة لأخيه الْمُسْلِمِ كأنه بُنْيَانٌ واحد «المسلم للمسلم كالبنيان الواحد يَشُدُّ بعضُه بعضًا».

4-    وأنه دعا إلى الأُخُوَّةِ الإنسانية باجتماع الناسِ على دين واحد وقِبلة واحدة، وجعل أساسَ العلاقاتِ الإنسانيةِ التعارفَ والتقاربَ، وفضَّل الفردَ بمقدار صلاحِه في نفسه ونفعِه للناس. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ﴾[21].

بِهذا كلِّه كان الإسلامُ ديناً عامّا شاملا، وقد ارتضاه اللهُ لخلقِه ليكون خاتِماً لرسالاته إليهم ﴿إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾[22] ﴿اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيْنًا﴾[23]

ولعلّ هذا ما يدعو الناسَ إلى قبول الإسلام قَبُوْلاً حسناً والدخولِ فيه أفواجاً في نواحٍ شَتَّى مِنْ بِقَاعِ الأرضِ بِلاَ قَهْرٍ ولا إكراه.

«التربية الدينية بتصرف»

الموضوع: 6

حاجة الناس إلى الرسل

1-    أثبت التاريخ، مما نراه عند الأُمم البدائية أن الناسَ فُطِرُوا على التَدَيُّن، وبَحَثُوْا عن الإله ليعبدوه، فعبدوا الشمسَ والقمرَ وآلِهَةً لا تَنْفَعُ ولا تَضُرّ كصَنَمٍ وحَجَر.

وقد هَدَتْ الفِطْرَةُ السليمة بعضَ العقلاءِ إلى الله سبحانه وتعالى خالقِ السّموات والأرض وما فيهن فعبدوه لا يشركون به شيئاً.

ولم يُؤْتَ الناسُ جميعا عقولا سليمةً يَسْتَدِلُّوْنَ بها هذا الاستدلالَ لِيَصِلُوْا إلى معرفةِ الله، فاحتاجوا لذلك إلى رُسُلٍ يُعَرِّفُوْنَهُمْ بربّهم وبما يَنْبَغِيْ له من صفات الكمال، وَيَدْعُوْنَهم إلى الإيمان به وتوحيده، ويُعَلِّمُوْنَهم كيفَ يعبدونَه عبادةً يَنَالُوْنَ بها رِضْوَانَه.

2-    وأن وراءَ عالَم الشهادة الذي نُدْرِكُه بِحَوَاسِّنا غَيْباً سَتَرَهُ اللهُ عنّا. وقد اجْتَهَدَ الناسُ في معرفة أسرار هذا العالَم الذي يَشْهَدُوْنَه فلم يَنالوا من العلم به إلا قليلا على مَرِّ القُرُوْنِ،  فكيف يستطيعون أن يُدْرِكُوْا ما لا تَنَالُه حَواسُّهم وعقولُهم من الْمَغِيْبَاتِ كالملائكة واليوم الآخرِ والحساب والجنة والنار؟ إنّهم لذلك في حاجةٍ إلى رُسُل يخبرونهم بما أَخْبَرَهم اللهُ به من أمور الغيب: من بَعْث وحِساب وجَنّة ونار وملائكة اِصْطَفَاهم اللهُ لعبادته، أو لِتَنْفِيْذِ أمره، أو لِمُرَاقَبَةِ خَلْقِه، أو لِحَمْلِ رسالاتِه إلى أنبيائه.

3-    وأنّ الناسَ في حاجةٍ إلى شريعةٍ سماويّةٍ تُنَظِّمُ حياتَهم وتَضْمَنُ بَقاءَهم، وتُحَقِّقُ العدلَ والأمنَ فيهم، يَخْضَعُوْنَ لـها سِرًّا وعَلاَنِيَةً لأنّها من عند ربّهم، فَمَنْ يَحْمِلُ إليهم هذه الشريعةَ ؟ الرسلُ صلوات الله عليهم.

وقد أرسل اللهُ في كل زمان رسولا بشريعة تُلاَئِمُ القومَ الذينَ أُرسِلَ إليهم، وتَدَرَّجَتْ الأديانُ بتقدُّم الْبَشَرِ حتى بلغ الإنسانُ رُشْدَه، فأرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق أجمعين بالرسالة الخالدة إلى يوم الدين.

4-    وقد رأى اللهُ حاجةَ الناسِ إلى الْقُدْوَةِ الصالحةِ فاصطفى من الْخَلْق أنبياءَه، وأَدَّبَهم بأَدَبِه الكريم فَسَمَوْا في إنسانيّتهم وَصَدَقُوْا في إيمانهم بربّهم، فعبدوه مخلصينَ له الدينَ، وفعلوا الخير، وَاجْتَنَبُوْا الشرَّ، وثَبَتُوْا على الحق وجاهدوا في سبيل الله حتى علا دِيْنُه، وَانْتَشَرَ نُوْرُه، وكانوا في كل ذلك أئمةً للمؤمنين، وقدوةً صالحة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيْدُ﴾[24]

وخلاصة القول:

أنّ الناسَ في حاجة إلى الرُّسُلِ لِيُعَرِّفُوْهُمْ بربّهم، ويخبروهم بما لا يُدْرِكُوْنَهُ من أَنْبَاءِ الغيبِ التي أَوْجَبَ اللهُ الإيمانَ بها، ولِيَحْمِلُوْا إلى الناسِ شرائعَ الحكيمِ الخبيرِ، التي تَبْلُغُ بـهم السعادةَ في الدنيا والآخرة، وليكونوا لـهم قدوةً صالحةً ﴿أُولئِكَ الَّذِيْنَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه﴾[25] فكان إرسالُ الرُّسُلِ من الله رحمةً للعالمين.

«التربية الدينية بتصرف»

 

 

 

 

الموضوع: 7

الإسلام دين الفطرة

انْتَشَرَ الإسلامُ بسُرْعَةٍ عَجِيْبَةٍ، ودخل الناسُ فيه أَفوَاجًا، ولا يَزَال يَمْتَدُّ في الأرض على مَرِّ الزمان، فما سِرُّ ذلك ؟

سر ذلك أنه دينُ الفطرة :

1-    خُلِقَ الإنسانُ بفِطْرَتِه ميَّالا إلى التوحيد، والجماعاتُ الفِطْرِيَّة مُوَحِّدَةٌ أو قريبة من التوحيدِ.

والإسلامُ يدعو إلى الإيمان بالله وتوحيده، ويَنْفِيْ أن يكونَ له شَرِيكٌ، والقرآنُ الكريمُ يَعْرِض أَدِلَّة الوحدَانية عَرْضاً واضحا تَقْبَلُهُ الْفِطَرُ السليمةُ فيقول: ﴿لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا﴾[26]

2-    وفي الفطرة الإنسانيةِ أن يَسْكُن الرجل إلى المرأة، لتتحقق باجتماعهما الأُسرةُ وتتمّ لهما النعمة بالتعاشر، والإسلامُ دعا إلى الزَّوَاج، ولَم يَرْضَ الترهُّبَ  ﴿وَمِِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوْا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾[27]

3-    والإنسان بفطرته يُحِبُّ الكسبَ والتَّمَلُّكَ، فأبيحا بشرط أن يكون الكسبُ حلالا طيباً، والْمِلْكِيَّةُ عن طريق مشروع. وفي الحديث: «نِعْمَ المالُ الصَّالِحُ للعبدِ الصالِحِ» ونهى عن الكسب الخبيث كالرِّبَا لأنه كسب بِلا عمل، كما حرم الرِّشْوَةَ والاِغْتِصَابَ وكل ما ليس للإنسان فيه حقٌّ.

4-    والإنسان بفطرته يأبى التكليف الشاق. فلم يُكَلَّف الناسُ إلا باستطاعتهم ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[28] وقد أَجاز الله للمريض، وللمسافر والمرضع أن يُفْطِرُوا في رمضان، ويُبَاح لمن لم يَجِد الماءَ أو يضره استعمالُه أن يتيمَّمَ.

5-    والإنسان فُطِرَ على التَطَلُّع إلى معرفة ما يجهَل حتى إنك ترَى الطِّفْلَ يسأل أباه عن كل ما تقع عليه عينُه، وقد دعا الإسلامُ إلى النَّظَر في مَلَكُوْتِ السموات والأرض لإِدْرَاك ما فيهما من أسرار  ﴿إنَّ فِيْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ﴾[29] وحث على طَلَبِ العلم وإن كان في أقصى الأرض.

6-    والإنسان فطر على حُبِّ الحريَّة وقد حرص الإسلامُ على حِمَايَتِهَا بما شُرِعَ من نُظُم وعُقُوْبَات حتى لا يَعْتَدِي أحدٌ على حُرِيَّةِ سِواه. وقد حفظ التاريخ كلمةَ عُمر بن الخطاب لعَمرو بن العاص: «مَتَى اسْتَعْبَدْتُم الناسَ وقد وَلَدتْهُم أُمهاتُهُمْ أَحْرَارًا؟»

7-    وطُبِعَ الناسُ بفطرتهم على حُبِّ القُوَّة لِمُقَاوَمَة المعتَدِي والانتقام منه وقد دعا القرآن إلى القوة بقوله: ﴿وأَعِدُّوْا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُوْنَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[30] وأباح دفع الاعتداءِ بِمثله لكنه لَم يرضَ البدءَ بالعدوان.

8-    والإنسانُ بفطرته يُحِسُّ أنه مثلُ غيره، ويَكْرَهُ مَن يَتَعالى عليه بِجِنْسِه أو لونه أو ماله أو حَسَبِه أو نسبه. فقُرِّرَ في الإسلام مبدأُ المساواة، ففي الحديث «أَيُّها الناسُ، إنّ ربَّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، كلُّكم لآدمَ، وآدمُ من ترابٍ. ليس لعربِىٍّ فضلٌ على عجمِىٍّ إلا بالتقوَى»

ومما ذُكِر يتبين أنّ الإسلام دين الفطرة.

وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «كلُّ مولودٍ يُوْلَدُ على الفطرةِ فأَبَواه يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانهِ أو يُمَجِّسانهِ».

«التربية الدينية بتصرف»

الموضوع: 8

الإسلام عقيدة وشريعة

تَلَقَّى محمّد عن ربّه الأصلَ الجامعَ للإسلام في عقائده وتشريعه، وهو القرآن الكريم، وكان القرآنُ عند الله وعند المسلمين المصدرَ الأوّلَ في تَعَرُّفِ التعاليم الأساسية للإسلام. ومن القرآن عُرِفَ أنّ الإسلام له فرعان أساسيان، لا تُوْجَدُ حقيقتُه، ولا يُوْجَد معناه إلا إذا أخَذ الفرعان نَصِيْبَهما من الوجود في عقل الإنسان وقلبه وحياته، وهذان الفرعان هما: العقيدة والشريعة.

والعقيدة هي الجانبُ النَّظَرِيّ الذي يُطْلَب الإيمانُ به -قبلَ كل شيء- إيمانا لا شكّ فيه ولا شُبْهَةَ. فمن طبيعتها كَثْرَةُ النصوص الواضحة على تقريرها، وإجماعُ المسلمين عليها من ابتداء الدَّعْوَة مع ما حدَث بينهم من اختلاف بعد ذلك.

والعقيدة أوّلُ ما دعا إليه الرسولُ، وطُلِبَ من الناس الإيمانُ به مُنْذُ المرحلة الأولى من مراحل الدعوة. وهي دعوةُ كلِّ رسولٍ جاء من قِبَلِ اللهِ، كما دلَّ على ذلك القرآنُ في حديثه عن الأنبياء والمرسلين.

والشريعة هي النُّظُمُ التي شرَعها اللهُ ليأخذ الإنسانُ بها نفسَه في علاقته بربّه، وعلاقتِه بأخيه المسلم، وعلاقتِه بأخيه الإنسان، وعلاقتِه بالكون، وعلاقتِه بالحياة.

العقيدة والشريعة في تعبير القرآن:

وقد عَبَّرَ القرآن عن العقيدة بـ«الإيـمان» وعن الشريعة بـ«العمل الصالح»، وجاء ذلك في كثير من آياته الصريحة:  ﴿إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِيْنَ فِيْهَا لاَ يَبْغُوْنَ عَنْهَا حِوَلاً﴾[31] ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ﴾[32] ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[33]

ومن هنا نعلَم أن الإسلامَ لم يكن عقيدةً فقط، ولم تكن مُهِمَّتُهُ تنظيمَ العلاقة بين الإنسان وربّه فقط، وإنما كان عقيدةً، وكان شريعةً تُوَجِّهُ الإنسانَ إلى جميع نواحى الخير في الحياة.

العقيدة أصل والشريعة فرع:

والعقيدة في الإسلام هي الأصلُ الذي تُبْنَى عليه الشريعةُ، والشريعة أثرٌ تابع للعقيدة. ومِنْ ثَمَّ فليس للشريعة وُجُوْدٌ في الإسلام إلا بوجود العقيدة، كما ليس للشريعة اِزْدِهَارٌ  إلا في ظِلِّ العقيدة. ذلك أن الشريعةَ بدون العقيدة عُلْوٌ ليس له أساسٌ.

«الإسلام عقيدة وشريعة بتصرف»

الموضوع: 9

اَلْمُسَاوَاة  في الإسلام

قرّرَ الإسلام مَبْدأَ المساواةِ، كما قرّرَ مبدأَ الْحُرِّيَّةِ وَالإِخَاءِ في العالَمِ لأوّل مرَّةٍ في التاريخ، وكان ذلك أَسْبَقَ من الدُّعَاةِ إلى المبادئ في العصر الحديث بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عامٍ.

ولم يكن تقريرُ هذه المبادئ تقريرًا نظرياً كما حَدَثَ في فَرَنْسَا وفي أَمْرِيْكا وفي هَيْئَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَة، حَيْثُ وُضِعَتْ المَبادِئ. ولم يُنَفَّذْ منها إلا القليلُ بِحَسَب أَهْواءِ الأُمَمِ القَوِيَّة. وقد دَعا الإسلامُ إلى هذه المبادئِ وطَبَّقَها النبيُّ (ص) وتَبِعَه الصحابةُ. وسادَت المبادئ المجتمعَ الإسلاميَّ في أقطارِ الأرضِ. وها نحن نَعْرض صُوَرًا عَمَلِيَّةً للمساواةِ في الدَوْلة الإسلامية.

كانت التكاليفُ الشرعيةُ -من صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وحجٍّ وغيرِها عامةً- تُطَالِبُ كلَّ مسلمٍ بأن يُؤَدِّيَها بدون استثناءِ أحدٍ منها.

الصلاة - وهي الرُكن الثاني من أركانِ الإسلام - تتجَلىّ فيها المساواةُ، إذ يَقِف المسلمون صُفوفًا يَتَجَاوَرُ فيها الصغيرُ والكبيرُ، والغنيُّ والفقيرُ، والْحُرُّ والعَبْدُ. وكلّهم يركَعون لإلهٍ واحدٍ. وكذلك تتجلىّ المساواةُ في زِيّ الحجِّ الْمُوَحَّد وفي أداء مَنَاسِكِهِ.

تُنَفَّذُ الحدودُ على جميع المسلمين بلا استثناءٍ، لا كما كانت الحالُ عند الدُوَلِ الكُبْرَى قبلَ الإسلام،  إذ كانت القوانينُ تنفَّذ على العامّة فقط. ونذكر هنا أَمْرَ المرأة المخزوميّة التي سَرَقَتْ، وَاسْتَشْفَع أهلُها بأُسَامَةَ بنِ زيدٍ لحُبِّ الرسول إياه. فلمَّا كلَّم النبيَّ (ص) فيها غَضِبَ، وقال له: أَتَشْفَعُ في حدٍّ من حُدودِ الله؟ إنّ بني إسرائيلَ كانوا إذا سَرَق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرَق فيهم الضعيفُ قطعوه. واللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمّدٍ سَرَقَتْ لقطعتُ يدَها.

كان القِصاصُ مَرْعِيًّا بين الناس جميعا وإن اختلفت درجاتُ الْمُعْتَدِي والْمُعْتَدَى عليه. من ذلك: أنّ النبي (ص) قال للناس يوما: «أيها الناس، مَنْ أخذتُ له مالاً، فهذا مالي فَلْيَأْخُذْ منه، ومن ضربتُه ضربةً فَلْيَقْتَصَّ مني من قَبْلِ يومِ القيامة».

كان النبي يُشْعِرُ أصحابَه المساواةَ في سُلوكه معهم، فقد أرادوا مرّةً على أن يَحْمِلُوْا نَصِيبَه من العمل في سَفَرٍ، فقال: عَلِمْتُ أنكم تَكُفُّوْنَنِيْ، لكنّني أكرَهُ أنْ أَتَمَيَّزَ عليكم، وإنّ الله سبحانه وتعالى يَكْرَهُ من عبدِه أن يراه مُمَيَّزًا بين أصحابه. وحَدَّثَ أبو هريرة أنه خرج مع النبي إلى السوق ليشتريَ سَراويلَ، فلمّا أراد أن يحملها عنه، قال له: صاحبُ الشيءِ أَحَقُّ بأن يحملَه. وقد اقتدى به الصحابةُ، فهذا  أبو بكر في خطبته عندما وُلِّيَ الخلافةَ يقول: «أيها الناس إنّي وُلِّيْتُ عليكم ولستُ بخيرِكم. فإنْ رأيتموني على حقّ فأَعِيْنُوْنِي، وإنْ رأيتموني على باطل فسَدِّدُوْنِيْ، أَطِيْعُوْنِيْ ما أَطَعْتُ اللهَ فيكم، فإذا عَصَيْتُه     فلا طاعةَ لي عليكم، ألا إنّ أقواكم عندي الضعيفُ حتى آخذَ الحقَّ له، وأَضْعَفَكم عندي القويُّ حتّى آخذَ الحقَّ منه».

«المطالعة والنصوص بتصرف»

الموضوع: 10

الشُّوْرَى في الإسلام

أمّا الشورى فهي أساسُ الحُكْمِ الصالح، وهي السبيل إلى تَبَيُّنِ الحق ومعرفةِ الآراء الناضجة. وقد أَمَرَ بها القرآنُ، وجعلها عنصرا من العناصر التي تقوم عليها الدولةُ الإسلاميةُ. ففي القرآن الكريم سورةٌ عُرِفَتْ باسم «سورة الشورى»، وقد سميت بذلك لأنها السورةُ الوحيدةُ التي قَرَّرَتْ «الشورى» عنصرا من عناصر الإيمان الحقّ.

وقد نزل - بعد أن أُصِيْبَ المسلمون في غزوة أُحُدٍ بما أصيبوا - أمْرُ الله لنبيه (ص) بمشاورة أصحابه فيما يَطْرَأُ لهم من الشئون، رَبْطًا للقلوب وتقريرا لما يجب أن يكون بين المؤمنين من حُسْنِ التَّضَامُنِ في سياسة الأمور وتدبيرِ الشئون. وذلك قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾[34]

الشورى في عهد الرسول وأصحابه:

وقد كان النبي (ص) يشاور أصحابه فيما لم ينـزل عليه فيه الوحيُ. وكان في بعض الأحيان يَعْدِلُ عن رأيه ويأخذ برأي أصحابه. وقد حَدَثَ أنه أخذ برأيه ورأي أبي بكر في حادثة أَسْرَى بَدْرٍ، ورَفَضَ الْعَمَلَ برأي عمر ومَنْ وَافَقَه. فنـزلت أياتٌ شديدةُ العَتْبِ على النبي (ص) في أنه لم يأخذ برأي الآخرين، وقد كان هو الأَوْفَقَ بحالتهم في هذا الوقت : ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيْدُوْنَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيْدُ الآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾[35]

ومن هنا كانت الشورى أصلا في إدارة الشئون الجماعية. وكان تَحَرِّيْ الحقِّ أو الموافقة في المصلحة مِنْ ألزم الواجبات على صاحب الأمر. وقد سلك ذلك أصحابُ الرسول بعده. فكان   أبو بكر يَسْتَشِيْرُ الصحابةَ فيما يعرض له من شئون الجماعة، وكان يأخذ برأي غيره متى بَدَتْ آياتُ الحق فيه، وكان عمر يَجْمَعُ كبارَ الصحابة في عهده، وكان يمنعهم من الخروج من المدينة لحاجته إلى استشارتهم.

وكان الأساس في الاستشارة كَفَالَةَ الحرّية التامة في إِبْدَاءِ الآراء ما لم تَمَسَّ أصلاً من أصول العقيدة أو العبادة.

ولم يضع القرآن ولا الرسول للشورى نظاما خاصًّا وإنما هو النظام الفِطْرِيّ، يجمع النبي أو الخليفة مِنْ بعده أصحابَه، ويَطْرَحُ عليهم المسألةَ، ويُبْدُوْنَ آراءَهم فيها. ومتى أجمعوا على رأي أو تَرَجَّحَ عندهم رأيٌ عن طريق الأغلبية أو عن طريق قوّة البرهان أُخِذَ به.

وإنما تُرِكَ هذا الجانب من غير أن يُوْضَعَ له نظامٌ خاص، لأنه من الشئون التي تتغيَّر فيها وِجْهَةُ النظر بتغيُّر الأجيال والتقدُّم البشريّ. فلو وُضِعَ نظام في ذلك العهد لاَتُّخِذَ أَصْلاً لا يَحِيْدُ عنه من يجيء بعدهم، ويكون في ذلك التضييقُ كلَّ التضييق عليهم  ألاَّ يُجَارُوْا غيرَهم في نظام الشورى.

فالشورى من الأمور التي تُركت نُظُمُها دون تحديد، رحمةً بالناس وتَوْسِعَةً عليهم وتمكينا لهم من اختيار ما يتاح للعقول    ما دام المقصود هو أصلَ المشورة.

«الإسلام عقيدة وشريعة بتصرف»

الموضوع: 11

العدالة في الإسلام

إن أَهَمَّ دَعَائِمِ السّعادة التي يسعى إليها البشرُ هو أن يَطْمَئِنَّ الناسُ على حقوقهم، وأن يستقرَّ العدلُ فيما بينهم. وإنا لا نَكاد نعرف شيئا أبعثَ للشَّقَاءِ والفِتَنِ، وأَنْفَى للهدوء والاِطْمِئْنَانِ بين الأفراد والجماعات من سَلْبِ الحقوق، وَاغْتِيَالِ الأَقْوِيَاءِ حقوقَ الضعفاء، وتَسَلُّطِ الجبّارينَ على الآمنين الْمُسَالِمِيْنَ. وليس من ريبٍ في أن هذه الظواهر أَشَدُّ ما يقطعُ الصِّلاَتِ، ويَغْرِسُ الأحقادَ، ويُثِيْرُ الاِنْتِقَامَ، وَيُهَدِّدُ المجتمعَ.

مكانة العدل في القرآن:

وقد كان في أول ما قرَّره الإسلامُ حفظاً لِكِيَانِ الْمُجْتَمَعِ البشريّ مَبْدَأُ العدلِ بين الناس. وقد عُنِيَ به القرآنُ الكريمُ وحَذَّرَ من مُقَابِلِهِ وهو الظُلْمُ. وأمر به عامًّا حتى مع الأعداء ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوْا، اِعْدِلُوْا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[36]

ومن هنا، جعل الله العدلَ واسطةَ حَبَّاتِ الْعِقْدِ الذي كَوَّنَ به لرسوله مَنْهَجَ الدّعوة الإصلاحية، التي حَمَّلَها إياه إنقاذاً للبشرية من ظُلُمَاتِ الجهل والبَغْيِ والعدوان ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُم﴾[37]

أمر القرآنُ الكريم بالعدل أمراً عاما، دُوْنَ تخصيصٍ بنوع دون نَوْعٍ، ولا بطائفةٍ دون طائفة؛ لأن العدلَ نِظامُ الله وشَرْعِه، والناسُ عبادُه وخَلْقُه يستوون أمامَ عدله وحكمه. ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُوْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُوْنَ نَقِيْرًا﴾[38]

وضَع الله العدلَ هكذا، وجعل إقرارَه بين الناس الهَدَفَ من بعث الرُّسُل وإنزال الشرائع والأحكام ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيْزَانَ لِيَقُوْمَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيْدَ فِيْهِ بَأْسٌ شَدِيْدٌ وَمنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾[39] ولقد نرى في ذكر الحديد هنا إِيْحَاءً قويًّا واضحاً إلى أنَّ إقرارَ العدل فيما بين الناس واجبٌ إلهيٌّ مُحَتَّمٌ للقائمين به أن يستعينوا عليه باستعمال القوة التي سخَّر لها ولآلاتها الحديدَ وهو ذو البَأْسِ الشديد.

«الإسلام عقيدة وشريعة بتصرف»

الموضوع: 12

الإنسان في شريعة محمد

زعَم السِّيَاسِيُّوْنَ في أَوْرُبَّا وأمريكا أنهم أعلنوا حقوقَ الإنسان في هيئة الأمم المتحدة، وبشَّروا الناسَ بالنعيم والخير العميم والسلام الدائم. ومِنْ قَبْلِهِم أَعْلَنَ قَادَةُ الثَّوْرَةِ الفَرَنْسِيَّةِ هذه الحقوقَ وجعلوها مُقَدِّمَةً لدستورهم .

واليوم يكون الناس – في الشرق والغرب - يسألون : ماذا يريد الأوربيون والأمريكيون من لفظ «الإنسان» الذي  أعلنوا له الحقوقَ وأظهروا عليه العَطْفَ؟ أهو الإنسانُ كما خلقه اللهُ من كُلِّ جِنسٍ وفي كلّ أرضٍ وعلى كلّ لونٍ، أَمْ هو الإنسان الأبيض الْمُتْرَفُ المنعَّم؟. أغلبُ الظنّ أنهم يريدون هذا الأَخِيْرَ. أما الأسودُ أو الأحمرُ فلا يزال في رأيهم ضَرْباً مَهِيْنًا من الخَلْق، عليه كلُّ واجب وليس له أيُّ حقٍّ، أو نوعا من بهيمة الأنعام يُوْلَدُ لِيُسَخَّرَ ويُرَوَّضُ لِيُسْتَخْدَمَ وهو موضوع الخصومة في السِّلْمِ ومَادَّةُ الغنيمة في الحرب.

المسلمون وَحْدَهم هم الذين يفهمون الإنسانَ بمعناه الصحيحِ، لأنهم أتباعُ محمد، ومحمّد وحدَه هو الذي أَعْلَنَ حقوقَ الإنسان بهذا المعنى، لأنه رسولُ الله الذي أرسله رحمة للذين  استُضْعِفُوْا في الأرض كالمساكين والفقراء والأَرِقّاء والنساء.

والذين رحمهم  اللهُ برسالة  محمد لم يكونوا من جنس مُعَيَّنٍ ولا من وَطَنٍ واحد، وإنما كانوا أمةً من أَشْتَات الخَلْقِ وأنحاء الأرض، اجتمعَ فيها العربيُّ والفارسيُّ، والروميُّ والتركيُّ، والهنديّ والصيني، والبَرْبَرِيُّ والْحَبَشِيُّ، على شرعٍ واحد هو الإسلام.

والإسلام هو الدينُ الذي لم يَخُصَّ بالتكريم لوناً دونَ لون، ولا طبقةً دون طبقة.

كان اليهود يزعمون  أنهم أبناءُ الله وأَحِبَّاؤُه، وسائرُ الناس سواءٌ والعدمَ. وكان الرُّوْمَانُ يَدَّعون أنهم حُكَّامُ الأرض ومَنْ سواهم خَدَم. وكان العربُ يقولون  إنهم  أهلُ البيان ومَنْ عداهم عَجَم. ولَمَّا جاء محمد بالهدى ودينِ الحق ليظهره على الدين كلّه، أعلنَ المساواةَ بقول الله عَزَّ اسمه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[40] وأكَّدَها بقوله (ص) «الناس سَوَاسِيَةٌ كأسنانِ المُشْطِ» «لا فضلَ لعربي على عجمي إلا بالتقوى»  «كلكم لآدمَ وآدمُ من ترابٍ»

ثم أعلنَ حرية العقيدة بقول الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[41]. واحترم عقائدَ أهْلِ الكتاب، وضمن لهم حريةَ العبادة، وأمانَ الْعَيْشِ، وعَدْلَ القضاء. وأمَرَ الوُلاَةَ أن يَرْعَوْهم  ويَعْطِفُوْا عليهم، وأوْصَى المسلمين أن يَبَرُّوْهُمْ ويُقْسِطُوْا إليهم.

ثم أعلن الإسلامُ حريةَ الفكر والرأي فلم يَقْبَلْ إيمانَ الْمُقَلِّد، ولا حُكْمَ الْمُسْتَبِدّ. وأمَرَ بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، ووسّع صدره لأهل الجَدَل حتى كثُرت الفِرَقُ، ولرجال الفقه حتى تَنَوَّعَتْ المذاهبُ. وسَمَحَ لأهل الذمّة أن يُدَافِعُوْا عن أديانهم، ونهانا أن نُجَادِلَهم إلا بالتي هي أحسنُ.

ثم احترم الملكية وثَبَّتَ لها الأصولَ، ونظَّم المواريثَ ورتَّب عليها التَّعَامُلَ. وهذه هي مَجْمُوع الحقوقِ الطبيعية التي كَفَلَها الإسلامُ للإنسان على اختلاف ألوانه وأوطانه، والتي أعلنها محمد بن عبد الله منذ أكثر من أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْناً.

«المطالعة والنصوص بتصرف»

الموضوع: 13

الإعجاز فى القرآن الكريم

لكل رسول من الرسل معجزة تؤيد موقفهم تجاه معارضيهم، ومعجزات الرسل قبل أن يرسل محمد صلى الله عليه وسلم انتهت بانتهاء عهدهم وأما معجزة القرآن الكريم خالدة إلى قيام الساعة.

الإعجاز من كلمة أعجز، أعْجَزَهُ الشيء فاته و عَجَّزَهُ تعجيزا ثبطه أو نسبه إلى العجز و المُعْجِزَةُ واحدة مُعْجِزَاتِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام[42]. أعجزه الشيء، أي عجز عنه[43] والمراد بالإعجاز هنا إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته فى معجزته الخالدة -وهي القرآن- عجز الأجيال بعدهم.[44] والمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.[45]

ومعجزات الرسل معجزات حسية ترى بالبصر تختلف بمعجزة القرآن الكريم كما أكد فى هذا الأمر شوقى ضيف بأن القرآن ليس معجزة حسية، وإنما آيات ومعجزات معنوية من الكلم، وكأنما أراد الله – ولا راد لمشيئته- أن يكون إعجاز القرآن على لسان محمد إعجازا عقليا لا يدركه الحس وإنما يدركه العقل كما قال لرسوله: ÷bÎ)ur Ótnr& z`ÏiB šúüÏ.ÎŽô³ßJø9$# x8u$yftFó$# çnöÅ_r'sù 4Ó®Lym yìyJó¡o zN»n=x. «!$# ¢OèO çmøóÎ=ö/r& ¼çmuZtBù'tB 4 y7Ï9ºsŒ öNåk¨Xr'Î/ ×Pöqs% žw šcqßJn=ôètƒ ÇÏÈ [46] من القرآن الكريم، والله بذلك يجعل سماع المشرك للقرآن حجة عليه، وهي حجة تتضمن إعجازه- ويؤكد ذلك قوله تعالى: (#qä9$s%ur Iwöqs9 š^ÌRé& Ïmøn=tã ×M»tƒ#uä `ÏiB ¾ÏmÎn/§ ( ö@è% $yJ¯RÎ) àM»tƒFy$# ...... ÇÎÉÈ [47]، آى آيات حسية مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام التى كانت تشاهد بالعين المبصرة، ...... yYÏã «!$# !$yJ¯RÎ)ur O$tRr& ֍ƒÉtR êúüÎ7B ÇÎÉÈ   óOs9urr& óOÎgÏÿõ3tƒ !$¯Rr& $uZø9tRr& y7øn=tã |=»tFÅ6ø9$# 4n=÷FムóOÎgøŠn=tæ 4 žcÎ) Îû šÏ9ºsŒ ZpyJômts9 3tò2ÏŒur 5Qöqs)Ï9 šcqãZÏB÷sムÇÎÊÈ [48] فأنبأ –جل شأنه- أن الكتاب هو القرآن- تتلى عليهم آياته قائم مقام آيات الرسل السابقين الحسية، وهي آيات عقلية تؤثر فى العقل بأوسع مما تؤثر به الآيات الحسية، وكأنما أراد الله أن تكون آيات القرآن المعجزة، الشاهدة على صدق رسالته، عقلية حتى تخلد على مر الأزمنة إلى يوم القيامة، بينما كانت معجزات الرسل السابقين معجزات حسية انتهت بانتهاء عصورهم فلم يشاهدها إلا من حضروها. أما القرآن فإعجازه مستمر إلى يوم القيامة.[49]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموضوع: 14

حقوقُ الإنسان في الإسلام

من الْمُغَالطات التي يَنْشُرُها الغربيّون في العالم كَذِباً، أن إعلان حقوق الإنسان يرجع إلى الثَّورة الفرنسية التي قامت منذُ مائَتَيْ عام تقريبا، والتي يَتَلَخّص شِعارُها في ثلاث كلمات هي «الإخاء والحريّة والمساواة»، وكذلك مِيْثاقُ حقوق الإنسان الذي أعلنته الأممُ المتحدة منذ عام 1948م، لتطوير الإعلان الفرنسيّ لحقوق الإنسان وإكمال ما فيه من نَقْص.

والحقيقة التي ينبغي أن يَعرفها كلُّ مسلم، أنّ الإسلام أعلن حقوقَ الإنسان كاملةً منذ أربعةَ عشر قَرنا، وقبل أن تعلن فرنسا بعضَها منذ أكثر من اثني عشر قرنا، وقبل أن تُعْلِنَها الأممُ المتّحدة بنحو ثمانين وثلاثمائة وألف عام قبل الثّورة الفرنسية والمنظَّمة الدّولية كلتيهما. ولم يعلنْها الإسلام لشعب بعينه، ولا لأمّة دون أمّة، ولكنّه أعلنها للناس جميعا. ولم يَحْمِل الإسلام أحدا بالقوّة على اعتناقه. وأعلن أنّ حرّيّة العقيدة مكفولة في ظِلّه وتحت رايته. وجاءه عليه السلام صحابيٌّ من أهل المدينة يسأله أن يَحمل ولديه كِلَيهما على الإسلام بالقوّة، فنَـزَل قول الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ قَدْ تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[50]

وربما قيل إذا كان هذا موقفَ الإسلام من حرية العقيدة، ففِيْمَ كانت غزواتُ الرسول وفتوحاتُ الخلفاء الراشدين؟! والردّ على ذلك أنها لم تكن لحمل الناس على اعتناق الإسلام بالقوة، وإنما كانت هذه الغزوات والفتوحات لتأمين الدعوة الإسلامية من أعدائها. وذلك بدليل المصالحات والمعاهدات التي تَمَّت بين الرسول (ص) وخصوم الدعوة حين رَغِبوا في هذا وأعلنوا تركَ الحرب، وبدليل العهود التي أعطاها الخلفاء الراشدون أنفسهم لغير المسلمين.

ومن ذلك مثلا أن الإسلام أعلن حقَّ الْمُساواة بين الناس في الإنسانية وفي الحقوق والواجبات. وهذه قضية قرّرها الإسلام وأكّدها في أكثر من مناسبة، فلا مفاضَلةَ بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون، ولا بين غني وفقير، ولكن المفاضلة عنده هي التقوى والعمل الصالح لخدمة الجماعة الإنسانية. قال تعالى:   ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[51]

وكما أعلن الإسلام حق المساواة أعلن أيضا أن التعليم حق للمواطنين جميعهم، بل انفرد بجعله فرضا من الفروض. قال رسول الله (ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم». هذا إلى جوار ما أرشد إليه من مكانة العلماء وفضلهم على غيرهم حثا للناس على التسابق في مَيدانه. قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنْكُمْ وَالَّذِيْنَ أُوْتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[52]

وهكذا نجد أن ما أعلنته الثورة الفرنسية، وما أعلنته المنظمة الدولية نفسها من حقوق الإنسان ليس جديدا على الإنسانية، وأن الإسلام أسبقُ بقرون بإعلان الحقوق عينها والحفاظ عليها من فرنسا والأمم المتحدة. وربّما قيل إن ميثاق الأمم المتحدة نَصَّ على إلغاء الرِّق، بينما لم يعلن الإسلام هذا ضِمنَ حقوق الإنسان. وما أيسر الردَّ على هذا. فميثاق الأمم المتحدة حين أعلن إلغاء الرق، نصَّ على إلغاء شيء لا وجود له في معظم أنحاء العالم. أما الإسلام حين جاء كان الرق ظاهرةً اجتماعية في كل مكان، فتطلّبت حكمته ألاّ ينُص على إلغائه دفعة واحدة، وإنما اتخذ وسائل عديدة للقضاء عليه رُوَيْدًا رويدا، ومن هذا:

أولا     :    حَبَّب في عتق الرقبة قُربةً يتقرب بها العبد إلى الله.

ثانيا       : جعل العتقَ كَفَّارة لبعض الذنوب.

ثالثا     : أباحَ مُكاتَبَة الرقيقِ على مال ليحصل به على حريته يؤدّيه على أقساط لمالكه.

وهكذا نجد الإسلام وضع الوسائل التي تؤدي إلى القضاء على الرِّق مع الأيام ليُنْهِيَ أمرَه كلّه. ولهذا يرجى أن يفكِّر المسلمون في تخصيص مناسبة يحتفلون فيها بذكرى إعلان الإسلام لحقوق الإنسان، ردا للكِذْبَةِ الكبرى عليه.

«مجلة العربي» العدد 36  بتصرف

 

الموضوع: 15

مكانة العقل في القرآن

إن القرآن هو كتابُ العقل. وإنه بأكمله دعوة صارخة لتحرير العقل من عِقَاله. وإنه يدعونا إلى استعمال العقل ووزن كل شيء بميزانه. وإنه يترك لنا الحريةَ في أن نعتقد ما يرشد إليه عقلُنا، وأن نتّبع السبيل الذي يُنِيْره منطقُنا أويهدينا إليه تفكيرُنا.

والمسلمون في هذا يؤمنون بأنهم يخدُمون الدين بموقفِهم، ويؤيّدون القرآن بإيمانهم.

ومن الآيات التي يستدلّون بها، والتي يتقدمون بها كشاهدٍ، الآياتُ الكريمة التالية : ﴿وَإِذَا قِيْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوْا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوْا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آباَءَناَ أَوَ لَوْ كَانَ آباَؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُوْنَ﴾[53] ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيْرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوْبٌ لاَ يَفْقَهُوْنَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُوْنَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُوْنَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُوْنَ﴾[54].

هذه الآياتُ الكريمة، بل والقرآن في جُمْلتِه، والأحاديثُ الشريفة في جملتها، وتاريخ الإسلام ... إن كل ذلك يدل       – حسَبما يرون – على أن الإسلام دين العقل.

وإذا ما تساءلنا الآن عما يهتمون بقولهم إن الإسلام دين العقل، أجابوا بأنه يَحْتَكِم إلى العقل. ويرون بذلك أنه يحكّم العقل في المسائل والمبادئ والقواعد. ونتيجة ذلك أن يكون العقلُ هو القائدَ وليس الدينُ، وذلك قلبٌ للأوضاع وانحرافٌ عن الصراط المستقيم !!

أما الصراط المستقيم الذي يتعلق بصلة الدين بالعقل فهو:

1- جاء الدينُ هادياً للعقل في مسائل معينة وهي :

أولا: ما وراء الطبيعة أي العقائد الخاصة بالله سبحانه، وبرسله صلى الله عليهم وسلم، وباليوم الآخر، وبالغيب الإلهي، على وجه العموم.

ثانيا: مسائلُ الأخلاق أي الخير والفضيلة، وما ينبغي أن يكون عليه السلوكُ الإنساني ليكون الشخص صالحا.

ثالثا: مسائل التشريع الذي ينتظم به المجتمعُ وتسعد به الإنسانية.

وجاء الدين هاديا للعقل في هذه المسائل بالذات، لأن العقل إذا بَحَث فيها مستقلاًّ بنفسه فإنه لا يصل فيها إلى نتيجة يتفق عليها الجميعُ.

2- جاء القرآن يفهَمُه العقلُ في الْمُحْكَم فيه، ولا يناقض العقلَ في المتشابه منه وذلك أن القرآن يقول ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُوْنَ فِي الْعِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾[55].

وقد أراد الإسلام من المسلم أن يستمسك بالمحكمات استِمْسَاكا تاما، وأن يعتصم بها اعتصاما كاملا. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ﴾[56]

3- جاء القرآن لا يستشير الإنسان في شيء، وتعالى الله عن أن يستشير المخلوقَ، وتعالى الرب عن أن يستشير المربوب، وتعالى العليم الحكيم عن أن يحتكم إلى البشر أو يحكّمهم فيما أنزله إليهم هداية وتربية.

هذا هو موقف الدين من العقل، حيث قيل إن الدين هو العقل، لا دين لمن لا عقل له.

«الإسلام والعقل: بتصرف»

الموضوع: 16

أهمية التربية الإسلامية

 يعيش المسلم في ظل التربية الإسلامية  حياة ملؤها السعادة والاطمئنان ، فهو يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن كل شيء في هذا الكون يحصل بقدر الله عز وجل .

وأما الإنسان الذي يعيش في المجتمعات غير الإسلامية فهو يشعر بالإحباط

والقلق والتوتر والاضطراب النفسي والفراغ الروحي والاكتئاب فتكثر حالات الانتحار والهروب والفساد الخلقي والاجتماعي.

من هنا تتجلى أهمية التربية الإسلامية  وقيمتها ويظهر ذلك من خلال :-

1- إنها تنظم حياة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، فالله عز وجل هو الخالق الرازق المستحق للعبادة، والإنسان مخلوق وظيفته عبادة ربه والتوجه إليه دائما، قال تعالى :" (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك  الأكرم * الذي علم بالقلم*" (العلق 1- 4)

2-  إنها تحقق السعادة للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة، فالمسلم يعرف قيمة الدنيا، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية الأرضية وحدها، فالتربية الإسلامية تقوم على أساس الواقع المادي والروحي للإنسان دون الاقتصار على جانب واحد منها فقط، والمسلم يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن ما عمله في الدنيا سوف يجده ويحاسب عليه في الآخرة قال تعالى:"(( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ  مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ" القصص 77)

3.  التربية الإسلامية  تنظم حياة المسلم مع مجتمعه الذي يعيش فيه، وتعمل على تقوية الروابط بين المسلمين ودعم قضاياهم والتضامن معهم قال تعالى: " إنما المؤمنون أخوة " (الحجرات10) وقال رسول الله-r- :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر و الحمى.

4.  التربية الإسلامية  تهتم بكل مقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات.

           فالإسلام يرفض الرهبنة والانقطاع للعبادة، كما أنه يرفض تحول البشر إلى عجول آدمية مفتولة العضلات خاوية العقل والروح ،  وأمر الصحابة الذين حاولوا مخالفة الفطرة أن يعودوا إلى صوابهم فقال - صلى الله عليه وسلم -  : " ….أما أنا فأصلي وأرقد ، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

الموضوع: 17

التوازن في التربية

تمتاز هذه الأمة بعدة مزايا, ومن هذه المزايا وصفها بالوسطية, حيث قال - جل وعلا -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (سورة البقرة آية: 143).

قال المفسرون: معنى (وَسَطًا) أي: دون الأنبياء وفوق الأمم, وقالوا: إن أحمد الأشياء أوسطها, وإنما كان الوسط محمودًا لأنه مجانب الغلو والتقصير, وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "عليكم بالنمط الأوسط, فإليه ينزل العالي, ويرتفع النازل".

نحن نعرف في مجال الأخلاق والعادات أن الفضيلة وسط بين رذيلتين, أي أن الفضيلة لها طرفان, وكل طرف متصل برذيلة من الرذائل, فالكرم إن زاد عن حده انتهى إلى السرف والتبذير والسفه, وإن نقص عن حده انتهى إلى البخل والشح, والشجاعة إن زادت عن حدها انتهت إلى التهور والمجازفة, وإن نقصت عن حدها انتهت إلى الجبن, وهكذا.....

والتربية من الأمور التي تحتاج إلى التوازن والاعتدال والتوسط, والمربي الناجح والموفق يمارس التربية, وقد فتح عينًا على ما يريده الطفل في كل المجالات وكافة المستويات, ويفتح عينًا أخرى على طبيعة الطفل وحاجاته وطاقاته, فهو يريد له أن يكون خير الناس وأفضلهم, ويحرص مع هذا على ألا يكلفه ما لا يطيق, وعلى ألا ينفره ويزعجه.

إن علينا - نحن المربين - حتى نربي التربية المتوازنة والمثمرة أن نعرف ما نريده من الطفل على وجه التحديد, وأن نعرف كيف نحافظ على شخصيته وخصائصه, وأن نعرف كيف يمكننا أن نجعله يجمع بين ما فيه مصلحته ومستقبله, وبين ما فيه راحته واستقراره في حاضره, وهذا ليس بالأمر اليسير, فهو يحتاج إلى أن نضبط أعصابنا في بعض الأحيان, ونضغط على أنفسنا, كما يحتاج إلى أن نظهر - أحيانًا - بمظهر الجاهل أو الأبله الذي لا يرى ما يجب أن يراه, أو لا يفهم ما الذي يجب أن يفهمه, ومهما عرفنا واطلعنا وقرأنا ومارسنا في حقل التربية فلن نستطيع تحديد ذلك بدقة, والادعاء بأننا فعلًا متوازنون في تربيتنا, والسبب يكمن في افتقارنا للدقة في فهم حاجات الطفل, وما نريده منه, ومن هنا فسيكون من المألوف جدًّا أن يظن أحدنا أنه متوازن في تربيته لأبنائه, وينظر إليه بعض الناس على أنه متشدد ومتعسف, وينظر إليه أناس آخرون على أنه مفرط ومتساهل؛ لذا كان هذا أحد الأسباب في اختيار هذا الموضوع (التوازن في التربية)؛ من أجل الاقتراب منها, وليس من أجل حسمها, أو قول الكلمة الفاصلة فيها.

نعلم بأن الزمان الذي نعيش نحن فيه صعب, ولذلك نسعى لأن نعد له أطفالنا على نحو أفضل حيث إن للعيش في كل الأزمنة متطلبات, وفي كل العصور يلاقي الناس أزمات وصعوبات, وزماننا يختلف عن الأزمنة السابقة بكثرة المرفهات ووفرة الإمكانات, وإننا لا نستطيع أن نتجاهل العرف السائد, ونظرة نظرائنا ومن هم في مستوانا للأشياء من حولنا.

الأسرة الملتزمة لا تدخل في منافسة مع أحد في أي شأن من شؤون الدنيا, ولا تحرم نفسها من التمتع بنعمة الاستقلال والتميز والتخلص من (الإمعية), لكنها في الوقت نفسه تعيش زمانها, ولا ترضى بالعزلة, ولا تعمل على كسر ما تواضع الناس عليه على نحو تام.

الأسرة المسلمة تعرف كل ذلك؛ ولهذا فإنها تستعد له من خلال الآتي:

·   تزرع في نفوس صغارها روح الدأب والمثابرة, وترفع همتهم للرقي للمعالي, وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم.

·    تقوي لديهم حاسة الانضباط الذاتي, والقدرة على تأجيل الرغبات.

·   تربيهم على الاستقامة والدماثة وتقدير الآخرين واحترامهم وإنزالهم منازلهم.

·   تعلمهم في أفضل مكان يمكن لها أن تعلمهم فيه, وتساعدهم على نيل أعلى الشهادات, وتدربهم على الاستفادة القصوى من الوقت.

إن هذه المعاني قد يتكرر الحديث عنها في مجال التربية؛ لأنها تشكل مفاتيح مركزية في شخصية الإنسان المسلم, وحياة الأسرة المسلمة.

لتتمة الاستفادة انتظروا الجزء الثاني من هذا الموضوع....

 ( صور للتوازن في التربية )

الموضوع: 18

الأخلاق

يجىء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر ، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد.

كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقى على الأشياء ، فهذا خير وذاك شر ، وهذا حسن ، وذاك قبيح ، وهذا نافع ، وذاك ضار الأمر الذى جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقى.

ويطلق لفط الخلق ويراد به القوة الغريزية التى تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أى الحالة المكتسبة التى يصيربها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شئ".

وعلى هذا المعنى الأول جاء الحديث: (خيرما أعطى الناس خلق حسن) رواه أحمد والنسائى(1) ويشهد للمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وان الله ليبغض الفاحش البذىء) أخرجه الترمذى (2) ولم يستخدم القرآن الكريم لفظ "أخلاق" بصيغة الجمع ، وإنما جاء اللفظ مفردا كما فى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}االقلم:4.

والإسلام الذى جاء ليتم البناء الأخلاقى للإنسان تميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق ففى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}القلم:4 ، قال ابن عباس على دين عظيم أى الإسلام.

ويتضح هذا حين نشير إلى حقائق مهمة منها:

1- الصلة الوثيقة بين الإيمان عقيدة والأخلاق سلوكا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}التوبة 119 ، وفى الحديث: (ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع) متفق عليه.

2- العبادات ذات أثر أخلاقى لابد من تحققه فى حياة الجماعة ، وهذه بعض الأمثلة:

- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}العنكبوت:45.

- {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم}التوبة:103.

-{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج}البقرة:197.

3- الأخلاق شرط لصحة المعاملات:{يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم}النساء:29 {ويل للمطففين}المطففين:1 ، وفى الحديث (من غشنا فليس منا) (رواه مسلم).

4- الحدود فى الإسلام زواجر عن جرائم خلقية (حد القتل ، السرقة ، الزنا..) ولعل المتأمل فى هذه الحقائق يدرك البعد الاجتماعى للأخلاق فى الإسلام باعتباره دينا للحياة ينظم علاقات الأحياء ببعضهم وبالحياة حولهم حيوانات أو جمادات مما يسمى بالبيئة أو الكون المحيط بنا. وقد أدى فهم علماء الإسلام لأهمية الأخلاق باعتبارها دينا إلى بذل جهود علمية شكلت علما يسمى بعلم الأخلاق الإسلامى ، بخصائصه التى تمينره عن جهود غيرهم فى الحضارات الأخرى فى هذا المجال.

ولم يكن هذا الاهتمام خاصا بعلماء دون غيرهم ، بل أسهم الجميع فى إثراء هذا العلم ، فأهل الحديثا بدعوا بعمل اليوم والليلة ، ووصلوا إلى كتب متخصصة فى موضوع واحد مثل "جامع بيان العلم وفضله ؛ لابن عبد البروغيره كما امتلأت كتب الفقه بالحديث عن الحسبة والشروط الخلقية لكثير من التصرفات كذلك تحدث الفلاسفة المسلمون عن السعادة وعن الفضائل والقيم ، كما تحدث الصوفية عن التزكية والمجاهدة ونحو هذا ، بل إن أهل اللغة والأدب أسهموا فى نضوج هذا العلم مثل الراغب الأصفهانى فى الذريعة إلى مكارم الشريعة ، والماوردى فى آدب الدنيا والدين..وغيرهما.

الأمر الذى يجعلنا نقول: إن للمسلمين علم أخلاقا أنبثق من معتقدهم وثقافتهم وتشكل كاملا قبل أن يعرف المسلمون البحوث الأخلاقية فى ثقافات الآخرين.

(المفاهيم الإسلامية، بتصرف)

 

 

 

 



[1] سورة الشعراء 192-195

[2] سورة البقرة آية 185

[3] أول سورة القدر

[4] سورة العلق 1-5

[5] سورة الإسراء الآية 16

[6] صحيح البخاري

[7] سورة الأنفال الآية 30

[8] سورة البقرة الآية 221

[9] سورة البقرة الآية 215

[10] سورة العنكبوت آية 48

[11] سورة القيامة آية 16-19

[12] سورة الأعلى آية 6

[13] سورة المائدة آية 67

[14] سورة المائدة آية 67

[15] سورة النحل آية 44

[16] سورة النساء آية 80

[17] سورة النساء آية 164

[18] سورة سباء آية 38

[19] سورة الأعراف آية 158

[20] من خطبة الرسول في حجة الوداع

[21] سورة الحجرات آية 13

[22] سورة آل عمران آية 19

[23] سورة المائدة آية 3

[24] سورة الممتحنة آية 6

[25] سورة الأنعام آية 90

[26] سورة الأنبياء من آية 22

[27] سورة الروم من آية 21

[28] سورة البقرة من آية 286

[29] سورة آل عمران من آية 190

[30] سورة الأنفال من آية 60

[31] الآيتان 107-108  من سورة الكهف

[32] الآية 97 من سورة النحل

[33]سورة العصر

[34] سورة آل عمران آية 159

[35] سورة الأنفال آية 67-68

[36] سورة المائدة آية 8

[37] سورة الشورى آية 15

[38] سورة النساء آية 123-124

[39] سورة الحديد آية 25

[40] سورة الحجرات آية 13

[41] سورة البقرة آية 256 وانظر سورة يونس آية 99

[42] - محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مختار الصحاح، طبعة جديدة، تحقيق: محمود خاطر، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1995، ص 461

[43] - ابن سيده، المحكم، مرجع سابق، 1/ 298

[44] - مناع القطان، مرجع سابق، ص258-259

[45] - جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي، مرجع سابق، ص 482

[46] -  القرآن، سورة التوبة 6

[47] - القرآن، سورة العنكبوت، 50

[48] - القرآن، سورة العنكبوت، 50، 51

[49] - شوقى ضيف، معجزات القرآن، القاهرة: دار المعارف، 2002، ص41-42

[50] سورة البقرة آية 256

[51] سورة الحجرات آية 13

[52] سورة المجادلة آية 11

[53] سورة البقرة آية 170

[54] سورة الأعراف آية 179

[55] سورة آل عمران آية 7

[56] سورة آل عمران آية 101

RPS MATA KULIAH MANAJEMEN RESIKO

    INSTITUT TEKNOLOGI DAN BISNIS (ITB) HAJI AGUS SALIM BUKITTINGGI PROGRAM STUDI S1 MANAJEMEN, S1 AKUNTANSI S1 DIGITAL BIS...